النهايه
كان الظلام يسود المكان..وتلك الرئحه العفنه عالقة في كل ركن فيه..وفي سكون هذا الليل الرهيب..قام وأخذ ينظر يمينه ويساره..لا شيئ غير الظلام..وبدأ يمشي بخطوات متثاقله..لم يكن يعلم إلي أين هو ذاهب..كأن شيئ خفي يقوده إلي مكان ما..لم يكن هناك شيئ يعوقه لا جدار ولا أبواب..وإذا به خارج هذه الحجره المظلمه..ووقف برهه ينظر للقمر وإلي تلك البيوت الصغيره المتناثره في كل مكان..وعويل الكلاب يقطع هذا الصمت..وبدأ يمشي ويمشي....
إلي أين؟؟؟؟؟؟؟
"بيوت ومحلات وأناس تمشي وعربات تهرول وكل غير عابئ بي..هذا صديقي؟؟؟ نعم إنه هوه ألا يراني؟؟ هذا أنا من كنت يوما تمشي وتضحك معه..وتحدثه عن أحلامك..أنسيتني؟!!!"
كانت الدنيا من حوله كئيبه رغم ما بها من صخب وجنون...
ويمشي ويمشي...
إلي أين؟؟؟؟؟؟؟
"بيتي..هذا بيتي.."
ويدخل..وينظر حوله...صالة كبيره ورجل مسن جالس علي الأرض...يقرأ القرأن...وسيدة كبيره ترقد علي كنبه...وتنظر إلي سقف الحجره وعينيها زائغة ويرتسم عليها الحزن وكأنه جزء من ملامحها..
"أمي وأبي.."
ويجلس بجوار أمه ينظر إليها ويري دمعة تنزل من عينيها..يحاول أن يمحوها بيده..لكنه لا يستطيع..فيقوم ويجلس بعيدا والأسي يعتصر قلبه.....
ويدخل طفل صغير..
الصغير يتجه نحوها..ويشدها من كم الجلبيه..فتنظر إليه..وتحمله بين يديها..وتأخذه في أحضانها..وتغمض عينيها وكذلك الصغير..
ويقوم الرجل المسن..بعد أن نحي المصحف جانبا..ويطفئ النور..ويخرج من الصاله بخطوات بطيئه..
وكذلك يغادر هو أيضا....
ويمشي ويمشي.......
حتي وجد نفسه وسط الحقول ورأي ثلاثة رجال وأمرأه يمشون بخطوات متسارعه...كانت منطقه منعزله تماما في أقصي القريه ولا يجرأ أحد علي السير بها في هذا الوقت من الليل...كان يسير خلفهم ولا يعلم لما يفعل ذالك...حتي توقفوا عند ساقية مهجوره...ووقف الرجال الثلاثه يحيطون بتلك المرأه...ودارت مناقشه قصيره أنهاها أحدهم بأن أخرج سكينه كبيره من تحت ثيابه وطعن المرأه وهو يقول:يااا فاااااااااااجره.....وانهال عليها الرجال بالسكاكين...وعندما أنجزوا مهمتهم وضعوها في شوال...وألقوا بها ف الساقيه...ورجعوا مسرعين....
ورجع هو أيضا....ولكن إلي اين؟؟؟؟
كان هناك شيئ خفي يقوده ويحدد وجهته في كل مره...
وهذه المره وجد نفسه يدخل بيتا لا يعرفه...وفي غرفه النوم..هكذا تبدوا..رأي سيدة في الأربعينيات وثلاثة بنات...أكبرهم لاتتجاوز السادسة عشر...يلتفون حول سرير يرقد عليه رجل يحتضر...
وسمع الرجل يقول:يارب....بناتي...ملهمش حد غيرك....يا رب أسترهم من بعدي...ومتحوجهمش لمخلوق...
وكان كل الحاضرين يبكون...أحس أن سكاكين تقطع قلبه...لكنه لم يزرف دمعة واحده...
وخرج.....
كان المشهد هذه المره مختلف...حجره كبيره نوعا ما...ويجلس أربعة رجال علي الأرض يضحكون...ودخان الحشيش يملء الحجره...تعرف عليهم كلهم فهم أصدقائه...وكثيرا ما كان معهم يشاركهم حديثهم وشرب الحشيش...فجلس علي مقربة منهم يستمع إليهم....
وفي أثناء الحديث قال أحدهم:أيه أخبار البت ناديه؟؟؟
فقال أخر:من ساعة محصلها اللي حصل...مبتعتبش بره باب البيت...
فقال الثالث: أنا لو مكان أخواتها كنت خلصت عليها...
فقال الرابع:بس البت ديه مظلموه...
فقال الأول:مظلومه ف أيه بأه؟؟ م كل شيئ أنكشف وبطنها بأت قدامها أد كده...
فقال الرابع:لأ...سليم قبل م يموت بكام يوم حكالي كل اللي حصل...راحلها البيت ومكنش حد موجود غيرها وهددها أنه هيسجن أبوها بالشيكات اللي معاه لو مطوعتوش...ولما رفضت طلع المطوه وهددها بالأتل...
فقال الثالث:د أنا قابلت جمال أخوها من يومين كده...حاله مقلوب...لو شوفتوه دلوقتي مش هتعرفوه....
فقال الأول:مين كان يصدق أن سليم يعمل كده...د طلع شيطان...بهدل البلد كلها...
الثالث:الله يرحمه بأه...متجوزش عليه غير الرحمه...
الرابع:الله يرحمه...نصب ع البلد كلها....وفضح البت الغلبانه ومات...
الأول:قصدك أتقتل...
الرابع:ألا صحيح محدش لحد دلوقتي يعرف مين اللي قتله؟؟؟
الثاني:يا عم د أعداءه كانوا كتير..وإن مكنش اللي قاتله قتله كان حد تاني خلص عليه..هوه اللي علمه كان شويه...مين كان يصدق...بأه ينصب ع البلد ف خمسه مليون جنيه...
الأول:خمسه مليون أيه؟...هيه البلد بتاعتنا ديه فيها ولا حته خمسه مليون مليم....
الثاني:مساااااااااااااء الخير.....
ويناوله الجوزه....
الرابع:مهو برضه معتقش حد...د نفض البلد كلها....الواحد مش صعبان عليه غير متولي الراجل الغلبان أداله كل اللي حلته...حتي فلوس المكافئه بتاعة الجيش اللي كان عاينها عشان جهاز بناته أداهمله....وأهو دلوقتي راقد ف السرير بين الحيا والموت....
الثاني:د الحال أتدحدر بيهم أوي..مراته جت عندنا النهارده وأستلفت خمسين جنيه عشان تجيبله الدوا...
الأول:هوه عمك متولي بس..أسكت....
الثالث:أنا مش حازز ف نفسي غير أبوه وأمه...دول مش حمل بهدله وهمه ف السن ده...د أنا سمعت أنهم هيبيعوا البيت عشان يسدوا الديون اللي عليهم...
الأول:مساااااااااااء الخير.....
الرابع: ولا أبنه اللي لسه ميعرفش حاجه...لما يكبر ويعرف أن أبوه كان هاتك أعراض ونصاب..وكان السبب ف خراب بيوت كتير..الواد ده جاب العار لعيلته كلها...
كان سليم جالس في ركن يسمع لحدثهم....
وفجأه وقف....وخرج......
عائد من نفس الطريق الذي أتي منه....
"بس هرجع علي فين؟؟...د أنا عملي أسود ومهبب"
ووقف مكانه...
"أنا هقابل ربنا أذاي وأنا عامل البلاوي ديه كلها"
ينظر حوله...يبحث عن مكان يختبئ فيه من الله....
وفجأه سمع صوت من خلفه ينادي عليه...
صوت كأنه طالع من أعماق الجحيم....
ألتفت بسرعه...فرأي ناديه التي قتلت أمام عينيه من ساعه ورقبتها مذبوحه والدم يغطي ثيابها وفي يدها سكينه كبيره...تجري بأتجاهه.....
وألتفت إلي الناحية الأخري فرأي متولي يتجه ناحيته وفي يده سوط كبير...
فجري وهما ورائه....
حتي وجد نفسه في المقابر...
يجري ويجري...
وأصوات صريخ وعويل تخرج من تحت قدميه....
وإذا به يري قبره من بعيد...وقد فتح وألسنة النار تخرج منه....
وهو يندفع إليه بغير أرادة منه....
حتي سقط بداخله....
وساد الهدوء
موضوع: .. النهايه .. 
الأربعاء سبتمبر 09, 2009 5:58 pm
